(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) أي ظل الهدهد غائبا زمانا يسيرا ثم عاد ، والمراد الدلالة على سرعة رجوعه خوفا منه (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) اطلعت على ما لم تطلع عليه ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته ، أي اطلع على حال سبأ. وفي هذا الخطاب تنبيه له على أن في أدنى خلق الله تعالى من أحاط علما بما لم يحط به ، للدلالة على محدودية العلم عند سليمان (مِنْ سَبَإٍ) اسم مدينة في اليمن ، والمراد أهلها ، سميت باسم جد لهم وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة باليمن ، فمن جعله اسما للقبيلة منعه من الصرف ، ومن جعله اسما للحي أو الأب الأكبر ، جعله مصروفا ، ثم سميت مدينة مأرب بسبإ ، وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث مراحل (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) خبر مهم محقق.
(امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) اسمها بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان ، وضمير (تَمْلِكُهُمْ) لسبأ أو لأهلها (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) المراد كثرة ما أوتيت مما يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدّة (وَلَها عَرْشٌ) هو سرير الملك (عَظِيمٌ) عظمه بالنسبة إليها أو إلى عروش أمثالها (يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) أي كأنهم كانوا يعبدونها (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي عبادة الشمس وغيرها من مقابيح أفعالهم (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الحق والصواب (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) إليه. (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) أي : أن يسجدوا له ، فزيدت (لا) وأدغم فيها نون «أن» كما في آية (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد ٥٧ / ٢٩] أي ليعلم (الْخَبْءَ) المخبوء من كل شيء كالمطر والنبات وغيره من المغيبات ، و (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) يظهره ، وهو يشمل إشراق الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النبات وإنشاء الأشياء وإبداعها (وَيَعْلَمُ) ما يخفون في قلوبهم (وَما تُعْلِنُونَ) بألسنتهم.
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) هو استئناف جملة ثناء ، مشتمل على عرش الرحمن ، في مقابلة عرش بلقيس ، وبينهما بون عظيم (قالَ : سَنَنْظُرُ) أي قال سليمان للهدهد : سنتعرف (أَصَدَقْتَ) فيما أخبرتنا به (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي من هذا النوع ، والتغيير من الجملة الفعلية إلى الاسمية للمبالغة ، فالجملة الاسمية أبلغ من : «أم كذبت فيه» ولمراعاة الفواصل.
(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا) صورة الكتاب : من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) أي إلى بلقيس وقومها (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) انصرف أو تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه (فَانْظُرْ) تأمل وفكّر (ما ذا يَرْجِعُونَ) ما يردّون من الجواب وما ذا يقول بعضهم لبعض.