لسليمان : اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، وجئتك من مدينة سبأ بخبر صدق متيقّن ، والأكثر على أن (سَبَإٍ) مصروف ؛ لأنه اسم بلد. وأهل سبأ : هم حمير وهم ملوك اليمن. والأكثر على أن الضمير في (فَمَكَثَ) يعود للهدهد ، ويحتمل أن يكون لسليمان ، والمعنى : بقي سليمان بعد التفقد والوعيد غير طويل ، أي غير وقت طويل.
وقد كان الهدهد ماهرا بالدفاع عن نفسه بتلطف وقدرة على اجتذاب النظر إليه وإصغاء السمع لكلامه ، وأنه كان يقوم برحلة استكشاف علمية لمملكة سبأ ومعرفة أحوال أهلها في الملك والتدين. ثم عرّف سليمان ببعض المعارف بالرغم مما أوتيه من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة ، للتنبيه على وجود العلم والمعرفة عند من هو أضعف منه ، وللإرشاد إلى ضرورة تواضع العلماء.
قال الزمخشري : وفيه دليل على بطلان قول الرافضة : أن الإمام لا يخفى عليه شيء ، ولا يكون في زمانه أحد أعلم منه (١).
ومضمون خبر الهدهد ثلاثة أمور هي في هذه الآية :
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ، وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي إني وجدت في بلاد سبأ مملكة عظيمة ذات مجد تملكهم امرأة هي بلقيس بنت شراحيل ، وكان أبوها
قبلها ملكا عظيم الملك ، وأعطيت من متاع الدنيا الشيء الكثير من شراء وغنى ، وملك وأبهة ، وجيش مسلح بأنواع مختلفة من معدات القتال ، وبإيجاز : أوتيت من كل شيء تحتاجه المملكة في زمانها ، ولها سرير عظيم هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللآلئ ، تجلس عليه ، فوصفه بالعظم أي في الهيئة ورتبة السلطان ، قال المؤرخون : وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد ، رفيع البناء ، محكم الصنع ، فيه ثلاث مائة طاقة من مشرقه ومثلها
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٤٤٨.