وهذا العالم : قيل : كان من الملائكة إما جبريل أو غيره من الملائكة ، أيد الله تعالى به سليمان عليهالسلام ، وقيل : كان من الإنس وهو آصف بن برخيا وزير سليمان وهو المشهور من قول ابن عباس ، وكان يعلم الاسم الأعظم ، إذا دعا به أجيب. أو هو الخضر عليهالسلام ، والراجح في رأي الرازي أنه سليمان عليهالسلام ؛ لأنه أعرف بالكتاب من غيره ؛ لأنه هو النبي ، وقال أبو حيان : ومن أغرب الأقوال أنه سليمان عليهالسلام ، كأنه يقول لنفسه : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. والمهم أنه حدث ما وعد به هذا العالم ، والله أعلم به.
(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ : هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ، لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)؟ أي فلما عاين سليمان وجماعته وجود سرير بلقيس الذي أتي به من بلاد اليمن السعيدة ، ورآه ساكنا قائما بين يديه ، قال : هذا من نعم الله علي ليختبرني أأشكر بأن أراه فضلا منه بلا حول ولا قوة مني ، أم أجحد فأنسب العمل لنفسي. وفائدة الشكر ومضرة الجحود والكفر ترجع إلى الإنسان نفسه ، لذا قال :
(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ كَفَرَ ، فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) أي ومن شكر النعمة فإن نفع الشكر عائد إليه ، لا إلى الله تعالى ؛ لأنه بالشكر تدوم النعم ، ومن جحد النعمة ولم يشكرها ، فإن الله غني عن العباد وعبادتهم وعن شكرهم لا يضره كفرانهم ، كريم في نفسه ، وإن لم يعبده أحد ، لا يقطع النعمة عن عباده بسبب إعراضهم عن شكره ، كما قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت ٤١ / ٤٦] وقال سبحانه حكاية لقول موسى : (وَقالَ مُوسى : إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ، فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم ١٤ / ٨].
وجاء في صحيح مسلم : «يقول الله تعالى : يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم