وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفّيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه».
ثم أمر سليمان عليهالسلام بتغيير صفات عرش بلقيس ، ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته ، كما حكى تعالى :
(قالَ : نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي ، أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) أي قال سليمان لأتباعه : غيّروا هيئة عرشها وصفته وشكله لنختبر حالها ، وننظر في إمكاناتها العقلية وملاحظاتها الفكرية ومقدار ذكائها ، أتهتدي إليه ، فتعرف أنه عرشها ، أم تكون غير مهتدية إليه أو تائهة عنه متحيرة في الحكم وإبداء الرأي؟
وذلك يدل على قدرة الله تعالى بنقله من مكان بعيد إلى بلاد الشام ، وعلى صدق سليمان عليهالسلام.
(فَلَمَّا جاءَتْ ، قِيلَ : أَهكَذا عَرْشُكِ؟ قالَتْ : كَأَنَّهُ هُوَ) أي حين قدمت ، عرض عليها عرشها (سرير الملك) وقد غيّر وزيد فيه ونقص ، فسئلت عنه : أمثل هذا عرشك؟ ولم يقل : أهذا عرشك؟ لئلا يكون تلقينا ، فقالت : كأنه هو ، أي يشبهه ويقاربه ، ولم تجزم أو تقطع يقينا بأنه هو ، لاحتمال أن يكون مثله بسبب بعد مسافته عنها.
وكان جوابها جواب سياسي بارع ذكي محنّك ، دل على كمال عقلها ودهائها ، وثبات شخصيتها ، وأنها في غاية الذكاء والحزم ، فشبهت عليهم من حيث شبهوا عليها.