(ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ، ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أي ثم جعلنا طلوع الشمس علامة على الظل ، فلو لا طلوعها لما عرف الظل ؛ فإن كل شيء يتميز بضده. وهذا يعني أن الله تعالى خلق الظل أولا ، ثم جعل الشمس دليلا عليه. ثم أزلنا الظل وحولناه وغيرنا اتجاهه بضوء الشمس قليلا قليلا وشيئا فشيئا على مهل غير فجأة بحسب سير الشمس وارتفاعها ، حتى لا يبقى على الأرض ظل إلا تحت سقف أو تحت شجرة ، وقد أظلت الشمس ما فوقه.
وفي إيجاد الظل وتغيره بعد شروق الشمس إلى غروبها ، وانتقاله من حال إلى حال ، وقبضه وبسطه ، والتصرف فيه على وفق الحكمة دليل واضح على وجود الإله القادر ، الخبير البصير ، العليم الحكيم ، الرؤوف الرحيم.
٢ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً ، وَالنَّوْمَ سُباتاً ، وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) أي والله هو الذي جعل ظلام الليل ساترا كاللباس ، كما قال : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل ٩٢ / ١] وجعل النوم كالموت قاطعا للحركة ، توفيرا لراحة الأبدان والحواس والأعضاء ، بعد إجهاد النهار ، وعناء العمل ، فبالنوم تسكن الحركات وتستريح الأعصاب والأعضاء والبدن والروح معا.
وجعل تعالى النهار مجالا للانتشار في الأرض ، ينتشر فيه الناس لابتغاء الرزق وغيره ، ويتوزعون فيه لمعايشهم ومكاسبهم.
وكما أن النوم يشبه الموت ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام ٦ / ٦٠] وقال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) [الزمر ٣٩ / ٤٢] فإن الانتشار واليقظة يشبه البعث ، قال لقمان لابنه : كما تنام فتوقظ ، كذلك تموت فتنشر.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [القصص ٢٨ / ٧٣].