(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) بعد أن أثبت التوحيد والنبوة ، أخذ في الرّد على المخالفين فيهما (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) لأن عبدتهم ينحتونهم ويصوّرونهم ، ومن دونه أي غير الله ، وآلهة : هي الأصنام. (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) أي دفع ضر ولا جلب نفع (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً) أي إماتة أحد أو إحياء أحد (وَلا نُشُوراً) ولا بعث أحد من الأموات ، فالنشور : الإحياء بعد الموت للحساب.
التفسير والبيان :
افتتح الله تعالى سورة الفرقان بالكلام عن إثبات الصانع ووصفه بالجلال والكمال ، وتنزهه عن النقصان والمحال ، فقال :
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) أي أن الله تعالى يحمد نفسه الكريمة على ما نزّله على رسوله صلىاللهعليهوسلم من القرآن العظيم ، لينذر به الثقلين : الجن والإنس ويخوفه من بأسه أو عذابه وعقابه. وهذا دليل قاطع على عموم الرسالة الإسلامية للناس قاطبة وللجن أيضا. ومعنى : (تَبارَكَ) : تعالى وتعاظم وكثر خيره ، ولا خير ، أكثر ولا أفضل من إنزال القرآن المجيد دستور الحياة الإنسانية ، المشتمل على التبشير والإنذار ، تبشير الطائعين بالجنة ، والمخالفين المعاندين المعارضين بالنار. وإنما ذكر الإنذار فقط ولم يذكر التبشير ، مع أن مهمة الرسول تشملهما ، لمناسبة الكلام مع الكفار المعارضين الذين اتخذوا لله ولدا ، وجعلوا معه شريكا. والعبد : هو محمد رسول الله ، و (الْفُرْقانَ) : القرآن الذي فرق الله به بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والحلال والحرام ، وفرّقه في الإنزال منجما حسب المناسبات.
ونظير الآية قوله تعالى في فاتحة سورة الكهف : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً ، لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) [١ ـ ٢] وتكرار كلمة (عَبْدِهِ) في الآيتين مدح للنبي صلىاللهعليهوسلم وثناء عليه ؛ للإشارة إلى كمال عبوديته في