فليأت من يرتاب فيه بسلطان مبين. ولا نراه منذ بزوغه حجة إلّا داحضة تبوء بالفشل والفضيحة على المفترين ، فمن اين يكون فيه ريب ودلالة الصدق واليقين كامنة في مطلعه ، ظاهرة في عجزهم عن الإتيان بمثله (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)!
(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢).
القرآن هدى للناس أجمعين دلالة وبيانا : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) وهدى للمتقين موعظة وتبيانا : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٣ : ١٣٣): (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩: ٩٧) (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٦٩ : ٤٨).
وكما التقوى ـ وهي قبول الوقاية إذا وقي ـ درجات ، كذلك الهدى التي هي على ضوءها درجات ، فمن لا يتقي ، فيعاند الهدى تعنتا ورفضا لا تحصل له أية هدى بالقرآن ، بل ولا يزيده إلّا خسارا ، ومن يتقي فهو يقيه كما يتقي ، درجات بدرجات ، وكما تزيد هداه تقوى فهما تتعاملان : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (٤٧ : ١٧).
فمن تقوى هي تقوى فطرية وفكرية ، إذا وقي صاحبها عما يناحرهما ويزيدهما وضاءة وقوة يقبلها ، والقرآن يحمل ببيناته هذه الوقاية فهو إذا هدى للمتقين ، فان الهدى حقيقته وطبيعته ، كيانه وماهيته ، ولكن لمن؟ «للمتقين» الذين يفتحون مغاليق قلوبهم ويواجهونه بفطرتهم التي فطرهم الله عليها ، متحذّرين استهواء الأهواء والضلالات ، ومتحرّين الهدى ، فعندئذ يتفتّح القرآن عن هداه ، يسكبها في قلب ترك هواه إلى هداه.