فإذا اهتدى المتقي هكذا هداه الأولى ، ثم اتبع رضوان الله على ضوء القرآن ، يهديه ثانية سبل السلام : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥ : ١١٦).
واستقبال أفعال المتقين : «يؤمنون .. يقيمون .. ينفقون. يوقنون» يلوّح إلى عامة مراتب التقوى ، ابتداء من تقوى الفطرة قبل الإيمان بالقرآن وصالح الأعمال ، وانتهاء إلى الهدى الفعلية إيمانا بالقرآن وعملا صالحا للإيمان ، ثم هناك مزيد للتقوى بعد هذا الإيمان وبينهما متوسطات.
فلو مضت هنا أفعال التقوى ك «آمنوا .. أقاموا .. أنفقوا .. أيقنوا» لكانت مواصفات للتقوى الحاصلة بعد الإيمان ، فليست التقوى صفة لقوم خصوص آمنوا ثم اتقوا ، وإن صدقت لهم أكثر ممن سواهم.
فيا لاستمرارية أفعال التقوى من دلالة تعم درجات التقوى قبل الإيمان جاهزا له ، وبعد الإيمان متدرجا الى درجاته : «يؤمنون .. يقيمون ..» أن حالتهم قبول الإيمان وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولمّا يؤمنوا ويقيموا ، إذ لم يحن حينه حيث لم تأت داعيته.
إذا فالقرآن (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ولمّا يتقّوا عقائديا وعمليا ، لما اتقوا فطريا وفكريا ، ومن ثم هدى للمتقين بكافة درجاتهم حتى القمة الرسالية لخاتم المرسلين.
كما الهداية المستدعاة في قلب الصلاة تعم هذه الدرجات.
ثم التقوى ـ كما تلوح من آياتها ـ هي على درجاتها تعم التقوى الفردية في صلة العبد بالله ، والتقوى الجماعية في صلاته بعباد الله ، في كافة