وعدم الإمكانية هذه ليست لاستحالة الفعل واللّافعل المخبر عنه ذاتيا ، حتى يسقط التكليف ويبطل التأنيب : «لماذا لا يؤمنون»؟ وإنما لاستحالته بالاختيار ، أنهم رغم اختيارهم في الكفر والايمان سوف لا يختارون الإيمان.
وهذه من الملاحم الغيبية القرآنية ان ينبئ الله بما في قلوبهم وعن مستقبل أحوالهم ، فرغم حرصهم بابطال القرآن وإبطال علم الله ، لم يقدموا حتى على ظاهر الايمان ، فثبت علم الله ، وصدق كتاب الله ، وخسر هنالك المبطلون (١).
وثم إذا ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فلا يتمكنون أن يؤمنوا ، هنا يسلب عنهم اختيار الايمان بما قدمت أيديهم وان الله ليس بظلام للعبيد ، وطالما لا يصح تكليفهم بالايمان ولكنهم معذبون باللّاايمان حيث الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، والتنديد هنا بالامتناع الإختيار ، كما العذاب ، ولا يمكنهم إبطال علم الله وإن حاولوا! إذا فأين ابطال علم الله أو إمكانيته ، واين استحالة الايمان التي تبطل التكليف وتبطل التنديد بترك الايمان؟!.
ثم النص (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) لا «سواء عليك» فالرسول ليس له
__________________
الدر المنثور ١ : ٢٩ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله ابن عمر قال : قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، انا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد نيأس فقال ألا أخبركم عن اهل الجنة واهل النار؟ قالوا : بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ،
قال : (الم ، ذلِكَ الْكِتابُ ـ الى ـ الْمُفْلِحُونَ) هؤلاء اهل الجنة ، قالوا : انا نرجو ان نكون هؤلاء ثم قال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ـ الى ـ عَظِيمٌ) هؤلاء اهل النار قلنا لسناهم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! قال : اجل.