والفساد ، وبين ربح الخداع وضرره يكفيه الشعور ، فهم هناك وهنالك (لا يَشْعُرُونَ) وهم هنا (لا يَعْلَمُونَ) مدعين كل علم وشعور! ناسبين إلى هداة العقول أنهم سفهاء : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ ... قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٧ : ٦٧) فلأنه يحمل رسالة الله ، وهم حاملون رسالة الشيطان ، يرونهم عقلاء ، ثم العقلاء هم سفهاء! كلمات فقدت معانيها ، كما هم فقدوا عقولهم الى أحلامهم ، ومشاعرهم الى أهوائهم! (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) فلا سفيه مقصرا إلّا إياهم ، ولا عاقل حقيقا إلا هو مؤمن ، فان الايمان من حصائل العقل ، حيث «هم» هنا دليل الحصر ، أن السفاهة المقصرة محصورة فيهم.
فمتى علم السفيه أنه سفيه ، وهو بحاجة الى عقل راجح وعلم رامح؟ ولكنه مقصّر دون سفهه إذ قصر في عقله فلم يستعمله لما يحقّ حتى خفّ عقله ، والله (يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
(٦) (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥).
باب سادس من أبواب جحيم المنافقين : (آمَنَّا ... إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ).
فهؤلاء الأوغاد المناكيد ليسوا ليقفوا عند حد الكذب والخداع والسفاهة بالادعاء الجوفاء ، بل ويتترّسون بالتآمر في الظلام خفية ، خيفة من المؤمنين ، ومغبّة جلب الكافرين ، ثعالب مكارين لا أسد يسفرون عن وجوههم في الميادين ، وهكذا يكون دوما دور الساسة الشياطين!.