وترى أن هذا البناء الاوّل للسماء هو قبل تكملة الأرض أم بعدها؟ آيات «فصّلت» تقدّمها على هذا البناء ، وآيات النازعات تؤخرها عنها ، فهل هنا تنازع بين فريقي الآيات؟
أقول : هنا تكملة للأرض في أدوارها الأربعة بخلق رواسيها وبركاتها وتقدير أقواتها هي كلها قبل بناء السماء سماء إذ هي دخان كما في آيات «فصلت».
وهناك تكملة أخرى ـ بإرساء جبالها وإخراج ماءها ومرعاها ـ هي بعد بناء السماء كما في النازعات ، إذا فلا تناحر بين الآيات.
وحاصل الترتيب التكويني ، ١ ـ خلق الأرض ببركاتها وأقواتها كامنة فيها والجبال غير راسية في متونها ٢ ـ بناء السماء برفع سمكها فإغطاش ليلها وإخراج ضحاها ـ ٣ ـ دحو الأرض فإخراج ماءها المكنون ومرعاها ، وإرساء جبالها المجعولة عليها فيها ٤ ـ تسوية السماء سبعا بعد هذا البناء وذلك الخلق ، وقد توحي بفصل بناء السماء بين تكملتي الأرض : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أن تأتي الأرض للتكملة الثانية والسماء لبناءها ، ثم تسبيع السماء بعد هذا البناء وتلكما التكملتين.
او قد تكون بناء السماء هي هي دخان السماء ، فقبلها او معها خلق الأرض ببركاتها وأقواتها والجبال من فوقها ، وبعدها دحو الأرض بليلها وضحاها بإخراج ماءها ومرعاها والجبال ـ من فوقها ـ أرساها في متنها.
إذا فإتيان السماء لتسبيعها وإتيان الأرض للتكملة الثانية اما هيه؟ (١)
وترى ماذا تعني (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)؟ أقول : معاني الاستواء تختلف حسب اختلاف مواردها ، متعدية باداة وسواها ، فمنها الاعتدال والتمام : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٢٨ : ١٤) والاستقامة :
__________________
(١) تفصيل البحث الى الآيات في فصلت.