الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ربه وقام في عبادته حتى تورمت قدماه فنزلت : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) فهل إنه بعد لم يكن اوّل العابدين واصلا الى درجة من اليقين التي وصلها هؤلاء المدعون! وهو هو المخاطب في (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)؟ دون هؤلاء الأغباش الذين هم لم يصلوا بعد الى درجة من الايمان فضلا عن اليقين!.
او ما يتقوله بعض الفلاسفة ان لله عالمين : عالم الأمر وهو إحداث المجردات ، وعالم الخلق وهو إحداث الماديات مستندين الى الآية : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (١٧ : ٨٥) والآية : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٧ : ٥٤). فالروح من عالم الأمر المجرد عن المادة دون الخلق المادة!
رغم ان الأمر في الأولى هو مجموع الخلق والتقدير ، وفي الثانية الخلق هو الخلق والأمر هو التدبير إذ ليس (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) الا بعد عرض الكون خلقا وتقديرا : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٧ : ٥٤) ف (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) تنبيه أن له أمر التدبير والتسخير في السماوات والأرض كما له خلقهما ، دون ان يكون هو الخالق ، والمدبر سواه ، او هو المدبر والخالق سواه ، بل انه (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) في الخلق والتدبير سواء ، ثم وخلق السماوات والأرض يعني خلق الكون اجمع فلا وجود لمخلوق مجرد عن المادة حتى يختص به الأمر ، بل الأمر يشمل كلّ الخلق ، ومن المستحيل قرآنيا وعقليا ان يكون كائن مجرد عن المادة او الطاقة المادية سوى الله (١).
__________________
(١) راجع كتابنا «حوار بين الإلهيين والماديين» وكذلك بطيّات آيات الخلق والأمر في الفرقان.