فما لم تامر أنت التارك ، او لم تنه أنت الفاعل ، فالناس أمثالك يظلون كما هم ، أما إذا تخالفهم الى ما تنهاهم عنه أو تأمرهم به ، فأنت أنت تفسدهم أكثر مما كانوا ، وتفسد نفسك أكثر مما كنت!.
أما نفسك فإنها حجة ظاهرة عليك : لم تقول ما لا تعمل وأنت تعلم؟.
وأما هم ، فقد يزدادهم جرأة في هتكهم حرمات الله ، ووهنهم في عقيدة الايمان ، إن كانت ، او فسقا على فسق ، إذ يرون أنك مستهزء بشريعة الله ، وإلّا فما ذا يدفعك للأمر بما أنت تاركه ، أو النهي عما أنت فاعله؟. فهو ـ إذا ـ يستجر اللعنة والنكبة إلى الآمر الناهي ومن يأمرهم وينهاهم ـ ف «لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به» (١) «فانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي» (٢).
هذه المظاهر المنافقة ـ ولا سيما ممن يتظاهر بخلافها ـ إنها الآفة التي تصيب النفوس بالشك والريبة ، لا في الدعاة وحدهم ، بل وفي الدعوات ذواتها أيضا ، لا سيما إذا كانت الدعاة من رجال الدين ، حيث العرف الأكثري الساذج من الناس تعتبرهم تجسيدا للدين ، فنفاقهم في أقوالهم وأفعالهم يحسب نفاقا في الدين نفسه ، فهي التي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم ، حيث يسمعون قولا جميلا ويرون معه فعلا أو تركا قبيحا ، فتمتلكهم الحيرة بين هذا وذاك ، فلا يعودون يثقون بالدين بعد ما فقدوا ثقتهم برجال الدين.
__________________
(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤٢٠ ح ٩ محمد بن الحسين الرضي في نهج البلاغة عن علي (عليه السلام).
(٢) المصدر ح ٨ عنه (عليه السلام).