فالكلمة الرنانة الطنانة البراقة ، الخاوية عن واقع معناها ، إنها تأخذ موقعها في مسامع السامعين ، ولكنها تصل هامدة إلى قلوبهم ، مجتثة بقية الإيمان لو كانت او تزيد في رينها وفسقها إن لم تكن.
في حين أن الكلمة التي تخرج من القلب ، المفسّرة بالعمل قبل الإفصاح بها ، إنها ترجمة حية عن جمال الواقع ، فتصل الى شغاف القلوب وضّاءة فعّالة ، مهما لم يكن لها طنين او بريق : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) فالكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان.
وما أجمله جمعا بلاغة الكلام وفصاحته ، مع التفسير الحيّ له من صاحب الكلام في فعل او حال ، وأجمل منه الابتداء بالفعل ثم القول وكما يروى : «مروا الناس بالمعروف وانهوهم عن المنكر بغير ألسنتكم».
هنا القرآن يوجّه بني إسرائيل حين يواجههم ويوجّه الناس أجمعين الى ضرورة الموافقة بين القول والعمل وضراوة المنافقة بينهما ، بخطاب تنديد وتهديد : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ..) كما هناك يواجه المؤمنين بنفس النمط (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) وهنالك ينقل عن العبد الصالح شعيب (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) ومعها عشرات من الروايات ، التي تبرز شرط العمل كأبرز شرط للسماح بالأمر والنهي صلاحا ذاتيا وإصلاحا للمجتمع (١).
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٦٥ ـ اخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان وابن عساكر عن ابن عباس انه جاءه رجل فقال : يا بن عباس! إني أريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ، قال : او بلغت ذلك؟ قال : أرجو ، قال : فان لم تخش ان تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل ، قال : وما هن؟ قال : قوله عز وجل : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ، أحكمت هذه الآية؟ قال : لا ، قال : فالحرف الثاني؟ قال : ـ