(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) : حيث كانوا قبل ظهور الإسلام يأمرون المشركين بالإيمان بمحمد الرسول الآتي وكانوا يستفتحون عليهم : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) وثم إذ ظهر الإسلام كان البعض من أحبارهم يأمرون أقاربهم من المسلمين بالثبات على ايمانهم وهم به كافرون ، او كانوا يأمرون فقراءهم ويكتمون الحق عن أغنيائهم مخافة انقطاع رواتبهم أو عطياتهم ، وكانوا يأمرون الناس باتباع التوراة وهم يخالفونه في تكذيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويأمرون الناس بطاعة الله وهم يعصونه في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)!
وهذه الشيمة الشنيعة مخالفة للكتاب (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) ومخالفة للعقل (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
تخالف كتاب الله الآمر بتصديق الرسول الآتي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والناهي بصورة عامة ـ عن الأمر بشيء مع نسيان نفسك فيه ، وتخالف العقل حيث يستقبح النفاق ، ولا سيما هذا النفاق الذي يظهر في الأمر والنهي بمظهر الإصلاح الوفاق ، وإن هو إلّا إفسادا : ثالوث المخالفة للحق ، يحمله أنكم (تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ)!
فلو أنهم كذبوا محمدا في صيغة واحدة قبل أن ياتي ولمّا ، لم يكن بذلك الخطير المضلّل لضعفاء النفوس ، حيث تكذيبهم ـ وهم أهل كتاب ـ بعد تصديقهم ، يؤكّد لمن سواهم أن محمدا لم يأت ذكره في الكتاب.
__________________
ـ قوله تعالى : لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ـ أحكمت هذه الآية؟ قال : لا ـ قال : فالحرف الثالث؟ قال : قول العبد الصالح شعيب (ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) ـ أحكمت هذه الآية؟ قال : لا ـ قال : فابدأ بنفسك.