ف (أَفَلا تَعْقِلُونَ) : تقريع بعقولهم المعقولة المشدودة بأهوائهم في ثالوث اللّاعقل من أمرهم ، فالمقصود من الأمر والنهي إرشاد الغير إلى ما يصلحه واجتناب ما يفسده ، وإرشاد النفس والإحسان إليها أولى من الغير ، وتقديم الغير خلاف العقل ، وأن من يعظ الناس ولا يتعظ يرغّب الناس إلى العصيان أكثر مما كان ، سنادا إلى أنه لو كان صادقا وصالحا لما تركه إلى غيره ، وهذا يناقض غرض الأمر والنهي وهو الإصلاح ، وأن على الآمر الناهي ـ إذ يهدف الإصلاح ـ أن يحاول في تأثير أكثر فيما يزاول ، فإذ يقرنه بما يشجّع إلى العصيان ، كان قد جمع بين المتضادين (أَفَلا تَعْقِلُونَ)؟
وهل يشترط في جواز الأمر والنهي كون الآمر الناهي فاعلا لكل برّ مستطاع له وتاركا لكل شرّ كذلك سرا وعلانية ، أن يكون عدلا في واقع أفعاله وتروكه لا في ظاهر حاله فحسب؟
قد يظن إطلاق التنديد له في آيتنا «أتامرون» ولكنها لا تعني إلّا ما «تأمرون .. وتنسونه» وأما المعروف الذي لم تأمروا به وأنتم تاركوه فلا تشمله «تأمرون». وكذلك التنديد في آية النهي : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يخص المنع عن النهي بخصوص ما لم يتناه عنه ، وآية المقت لا تشمل نصا غير القول المنافق للفعل ، أمرا أو نهيا
ثم لو اختص السماح بالأمر والنهي بهذا المضيق في العدالة المطلقة لم تكن في هؤلاء العدول الكفاية في هذه المكافحة ، لأنهم قلة والفاسقين كثرة ، وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المكافحة الكافية ، فقد يكون «حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى نفسك» (١)
__________________
(١) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) .. جلس رجل من المسلمين يبكي وقال : انا عجزت عن