ف «تراض» منكم تعني التراضي على ضوء الإيمان حيث الخطاب موجه الى المؤمنين ، فالتراضي الذي لا يرضاه الإيمان ليس مرضيا في خطاب الإيمان.
ولأن المؤمن عاقل قبل إيمان فلا بد أن يكون تراضيا عاقلا ، فالتراضي الذي يرفضه العقل أو يرفضه الإيمان ليس داخلا في نطاق (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) إنما هو الذي يرضاه العقل والإيمان.
وبصيغة أخرى التراضي الباطل على أكل المال بتجارة أماهيه ، هو تراض باطل فيشمل الأكل به الأكل بالباطل دون (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).
والباطل قد يكون بنظر العرف ويمضيه الشرع ، أم لا يراه العرف باطلا وأبطله الشرع ، فكلاهما باطلان فإن خطاب الإيمان يجعل الباطل ما عرفه الإيمان باطلا ، لا فقط ما يعرفه الإنسان طليقا عن الإيمان.
فإن بين الباطل عند الإنسان وعند الإيمان عموما من وجه يتصادقان في المصدّق بطلانه عندهما ، ويفترقان في الباطل عندنا دون الشرع ، والباطل عند الشرع دوننا والمحور هو الشرع ، ولا تصبح الآية مجملة حين تعني من الباطل كل باطل ، إذ منه المعروف عندنا بطلانه فمحظور إلّا أن يسمح به الشرع ، ومنه المعروف عندنا بأصل الشرع فكذلك ولا يسمح له إلّا عند الاضطرار كما سواه ، ومنه المجهول بطلانه عرفا وشرعا فلا يشمله النهي إذ لم يحرز بطلانه.
وأصل الباطل هو الزائل ، فأكل المال دون مبرر عقلي أو شرعي باطل ككل ، فالمعلوم بطلانه عرفا وشرعا معلوم ، والمعلوم بطلانه عرفا لا شرعا يتلوه في البطلان ، والمعلوم بطلانه شرعا لا عرفا يوازيه ، ثم المجهول بطلانه عرفا وشرعا لا يشمله دليل الحظر ، حيث المتأكد كونه باطلا هو المشمول لآية الإبطال وما سواه داخل في أصالة الحل بأدلتها.