الكائنين «منكم» كما الرسول فإنه منكم وليس من الملائكة أو الجن أمن هو من غير البشر ، ف (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) (٦٢ : ٢) أترى «من» هنا تتعلق بشيء إلا ب «كائنا» دون «رسولا» إذ لم يرسل من عند أنفسهم ، إنما هو بعيث الله كائنا من أنفسهم ، فكذلك «منكم» هنا ليست لتتعلق ب «الأمر».
ذلك وكما أن «الأمر» المضاف إليه ، لا تصلح أن تكون ذا الحال ، بل هو المضاف : «أولى» لأنه أصل الكلام الراجع إليه في مذهب الأدب الفصيح كل فروع الكلام ، فحين يقال : جاء غلام زيد حافيا ، هل يحتمل أن الحافي هو زيد دون غلامه؟ فكذلك الأمر في (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وأحرى ، فالمعنى «أولي الأمر الكائنين منكم».
وفي حدب المعنى كيف يصح من أحكم الحاكمين ورب العالمين أن يفرض طاعة من ولي الأمر من قبل المؤمنين أنفسهم ، ولا يولى أحد أمر الشرعة إلّا من صاحب الأمر وهو الله أصالة والرسول رسالة؟ وفرض طاعة أولي الأمر من قبلهم أنفسهم هو في صيغة فرض طاعتهم أنفسهم بمختلف أهواءهم (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)!
ذلك ، وكما (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣٣ : ٣٦) وقد أمّر الله وأمّر رسوله بأمره رجالا معصومين من عترته على المؤمنين وهم الثقل الأصغر بعد الأكبر.
إن ولي الأمر في طليق الطاعة هو الله ككل : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (٣ : ١٥٤) ومن ثم الرسول بإذن الله وبما أراه الله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (٤ : ١٠٦) ولذلك (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٤٠ : ٨٠).