ذلك ، ومن ناحية أخرى ليست إصابة السيئة إلّا من نفس المصاب حيث يسبّبها (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) (٥ : ٤٩) و (لَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) (٣٥ : ٤٥).
وأما الحسنة فمهما كانت بما تقدمه من نفسك ولكنها من الله فإنه أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك من الله» (١).
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)
فالسيئة كيفما كانت هي من نفسك مبدء ثم من عند الله إبداء ، والحسنة هي من الله ومن عند الله مهما كنت مستحقها بما تقدمه بفضل الله إذا التوفيق لها والتشجيع إليها وتهيئة أسبابها الرئيسية كلها من الله ، فبأحرى أن يقال عنها «من الله» كما هي (مِنْ عِنْدِ اللهِ) ف (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) مبدء وإبداء «والشر ليس إليك» مبدء مهما كان من عندك إبداء وجزاء وفاقا.
إذا فلا تناحر بين الآيتين فإن لكلّ مجالا دون ما للأحرى ، حيث الأولى تحقّق واقع كل مصيبة من عند الله ، أنها لا تحصل إلّا بإذن الله ، والأخرى تحقّق حقيقة أخرى ليست داخلة ولا متداخلة مع الحقيقة الأولى ، هي أنه تقدس وتعالى سنّ منهجا وشرعة ودل على نجدي الحسنة والسيئة ، فلناجد الحسنة حسنة من عند الله وهي من الله ، ولناجد السيئة سيئة من نفسه وهي من عند الله.
ف «كما أن بادئ النعم من الله عز وجل وقد نحلكموه فكذلك الشر من أنفسكم
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥١٩ قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام) قال الله : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبقوتي أديت فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا وما أصابك من سيئة فمن نفسك وذاك اني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني وذاك اني لا اسأل عما أفعل وهم يسألون.