ذلك! فحكم التدبر في القرآن عام يشمل كافة المكلفين به شريطة معرفة لغته وإمعان النظر في معانيه ومغازيه.
ومما ينتجه التدبر في القرآن هو ربانية آياته البينات بأسرها لمكان التلائم التام بينها دون تفاوت لفظيا ولا معنويا ولا واقعيا ولا في أي حقل من حقول الحق المرام.
أجل والتناسق الطليق الرفيق الرقيق والعميق هو الظاهرة الباهرة التي لا يخطئها من يتدبر القرآن كقرآن ، مهما اختلفت العقول في إدراك مداها ، ولكنها ككلّ تدرك تماما أنها في تناسق وتوافق تام (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
ولا اختلاف في القرآن لا قليلا ولا كثيرا ، وطبيعة الحال في من سوى الله أيا كان هي التدرّج في الكمال وعدم الحيطة المطلقة على الحقائق على أية حال.
فالقرآن النازل طيلة الحياة الرسولية في مختلف الحالات الحرجة والمجالات المرجة ، في العهد المكي المتضيق والعهد المدني الرفيق ، ثم منذ الفتح ، ولا يوجد في آية أي اختلاف في قمة الفصاحة والبلاغة ، ولا في المعاني المرادة ، ولا بينها وبين الحق الواقع ، ولا الفطرة ولا العقلية الصالحة غير المزيجة ولا المريجة.
ذلك الكتاب لا ريب فيه أنه من رب العالمين ، فكما الشمس هي دالة بنفسها على نفسها بإشراقها ، كذلك شموس الآيات القرآنية هي بأنفسها براهين ساطعة على أنها ربانية المصدر والصدور ، دون أي تدخل لأية عقلية خلقية (١).
__________________
(١) راجع تفصيل ظاهرة عدم الاختلاف تحت عنوان «عدم الاختلاف فيه» في ج ١ ص ٢٣٦ ـ ٢٤٠ من الفرقان.