وهنالك آيات مع هذه تأمرنا بالتدبر في القرآن حقه ، فتاركه مقفل القلب مغفّل : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٤٧ : ٢٤) ـ (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣٨ : ٢٩).
فالقلب المتدبر واللب المتذكر هما اللذان يتدبران القرآن ، وإن القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، ولا يتحدد القرآن بمعارفه الجمة بساذجة الأفكار ، فإنما لكل قلب قدر وعيه.
والتدبر تفعّل من الدّبر ، وهو في القرآن جعل كلّ آية دبر نظيرتها ودبر ما حوتها ، كما هي دبر التفكر الصالح فيها ، ليحصل من هذه الثلاث حق المعنى وواقع المغزى من كل آية آية ، حيث «الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه» (١).
وتدبّر ثان هو تواتر التفكر في القرآن بعد ذلك التدبر الثلاثي ، تحللا عن إصر كل أسر من أفكار سابقة حاصلة من غير القرآن ، بنظرة تجردية تعني استنباط مرادات الله تعالى دونما تحميل لعالقة الآراء.
و «اختلافا» بصيغة طليقة دون متعلّق خاص مما يستغرق السلب في أصل الاختلاف ، فهو «اختلافا» «من والى» : بداية ونهاية في الكمال ، أن يأتي كل كمال منه بعد نقص وكل أكمل منه بعد كامل ، فلا تجد فيه سنة التكامل بأسره.
و «اختلافا» (في) آياته مع بعضها البعض في بلاغه العبارة وفصاحة التعبير ، أن يبدو فيها القمم والسفوح والتوفيق والتعثّر والتحليق والهبوط والرفرفة والثقلة ، والإشراف والانطفاء.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥٢٢ في نهج البلاغة قال : وذكر أن الكتاب .. فقال سبحانه (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).