أينما كانوا وأيّا كان دور المسلمين وبلادهم.
وإلقاء السلّم في هذا الوسط وسط يكفل طرفيه ، فإلغاءه إلغاء للأمان وإلقاءه تضمين للأمان ، وليكن إلقاءه بيّنا كإلغائه ، ففي محتمل الأمرين يقف المسلمون على الحياد المحتاط ، فإن برز الإلغاء (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) وإن برز الإلقاء فأمنّوهم كما أمنّوكم.
وليس يقبل الإسلام إلقاء السلّم طليقا أيّا كان ، وإنما هو السلّم التي لا تتحيف حقا من حقوق الداعية والدعوة والمدعوين في أرجاء البسيطة ، أن تزال كل العقبات والعقوبات من طريق البلاغ للدعوة الإسلامية العالمية في ربوع المعمورة كلها.
وهكذا نرى صفحات من صفح الإسلام عن غير المسلمين بسماحته وتغاضيه في مجالاته الصالحة ، بجنب ما نرى حسمه الجادّ لكل جذور الفتنة والفساد فسحا لمجال الاهتداء للذين يريدون الهدى.
ذلك هو الإسلام العوان بين طليق التشدد وطليق التميع والترقق.
فأما حين يأتي المتشددون الآخذون الأمر كله عنفا وحماسا واندفاعا وشعارا بلا شعور فليس هذا هو الإسلام.
كما حين يأتي المتميّعون المعتذرون عن القتال في سبيل الله فيجعلون الأمر كله سماحا وسلما وإغضاء وعفوا حتى عن المهاجمين المفتتنين ، كذلك ليس هو الإسلام ، إنما هو أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة.