ولقد أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليحكم بين الناس ـ كأصل ـ بالقرآن ، كسائر الرسل بسائر الكتب ، حيث (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ..) (٢ : ٢١٣).
ولو أن (بِما أَراكَ اللهُ) هي نفس (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) لكان الصحيح الفصيح (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) كما (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٥٠ : ٤٥) (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ..) (٤٢ : ٧).
ذلك ، وليس الحكم القضاء في الدعاوي وسائر الأحكام في مختلف الحقول ، غير المنصوصة في القرآن ، ليست هذه مما أنزل إليه في نص الكتاب أو ظاهره ، اللهم إلّا في تأويله اتساعا علميا له بالأحكام ، وفي سنته تفصيلا لكافة الأحكام ، وفيما أراه الله رؤية معرفية تجعله حاكما طليقا بين الناس في كل قليل وجليل ، فلا يخطأ في أي حكم بيانا وتطبيقا ، كما لا يخطأ في الأحكام القضائية والسياسية والحربية أمّاهيه ، مما لا نص لها في الكتاب والسنة.
فكما (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) هي وحيه الأصيل ، كذلك (بِما أَراكَ اللهُ) هي وحي له آخر يحلق على سائر الوحي ، إذا فكل أحكامه عاصمة معصومة بما أراه الله ، حتى في الأقضية الخاصة.
ف «إنا» بجمعية ربانية الصفات «أنزلنا» ـ «بالحق» ـ «إليك» ـ «بالحق» ـ «الكتاب» بالحق ، فذلك الإنزال هو في مثلث الحق الثابت الذي لا حول عنه ، ولماذا؟ :
(لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) حكما في كافة البينونات السياسية والاقتصادية