ومن أضل الإضلال تبديل الفطرة عما فطر عليها ، فمنه مقدور ومنه غير مقدور ، فالمقدور من تبديلها هو تغييرها أن تكسف بطوع الأمنيات والأهواء ، كما و «إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى» فتغيير الفطرة عما فطرت عليها ، وتغيير العقل الذي يعقل عنها عن صالح عقلها ، وتغيير الصدر عن شرحها ، وتغيير القلب عن اتجاهه إلى الله ، كل ذلك من تغيير خلق الله ، والفطرة هي رأس الزاوية في هذه الغيارات الشيطانية.
فقد خلق الله الفطرة الإنسانية ركيزة للاتجاه إلى دينه ، والعقل ليعقل عنها ويعقل عن آيات الله آفاقية وأنفسية ، والصدر مكانة لحصالات العقل ، والقلب لحصالات الصدر ، ثم الفؤاد ليتفاّد بنور المعرفة الحصيلة من هذه المقامات المتدرجة الروحية ، فتغييرها إلى ما يغاير خلقها اتجاها ومسيرا ومصيرا هو من أعظم تغيير لخلق الله.
وذلك التغيير ليس تغييرا أصيلا لا يمكن تبديله إلى ما كان ، إنما هو تضليل لها عن أهليتها لسلوك سبيل الله.
ومن تغيير خلق الله نسبة خلق إلى غير الله إشراكا في الخالقية ، ف (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣٥ : ٣) (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣١ : ٢٥).
ومنه نسبة الشرعة إلى غير الله والشارع هو الله لا سواه : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ..) (٤٢ : ١٣) (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (٤٢ : ٢١).
ومنه نسبة الآيات الرسولية أو الرسالية إلى رسل الله أنها من عند أنفسهم تكوينا أو تشريعا ، ـ مهما كان توكيلا أو تخويلا ـ والمكوّن والمشرع ليس إلّا الله لا سواه.