وقد نفت (لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) ما كان يخيّل ـ من اللّاسواء بين العاملين الصالحات أو الطالحات ـ إلى هؤلاء الطائفيين في أمانيّهم الكاذبة الخواء ، وما خيّل من الفارق بين ذكر وأنثى كما كانت تزعمه القدامى الهنود ومصر وسائر الوثنيين أن النساء لا ثواب على حسناتهن أم هو أقل ، أو أن الكرامة والعزة هما فقط للرجال كما زعمته فرقة من اليهود والنصارى ، ويزعمه مجاهيل من المسلمين وسواهم.
ثم (مِنَ الصَّالِحاتِ) تبعيضا دون تحليق على كل الصالحات توسعة ربانية لمن آمن وعمل صالحا : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٢ : ٦٢).
ولو انحصر دخول الجنة بالمؤمن العامل كل الصالحات لكانت الجنة خالية إلّا عن شذر قليل هم المقربون والسابقون ، وانحسرت حتى عن العدول من المؤمنين فإن لهم لمما.
ذلك ، وليست الجنة ـ مع الوصف ـ لأهلها على حدّ سواء ، فقد يخرج من النار إلى الجنة ، أو يدخل الجنة بلا نار ولكنها على حدّه ومستحقه (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً).
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (١٢٥).
والدين هو الطاعة ، فمن حسن الطاعة الموافقة العلمية والعقيدية لحق الله وشرعته ، ومن ثم حسن الموافقة العملية الصالحة المتبنية الإيمان والنية الصالحة ، ف (مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) جارحة وجانحة (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في كلا الوجهين (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) موحدا «حنيفا» معرضا عما يخالف التوحيد الحق وحق التوحيد (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) كأنه خلّ في ربه حيث أسلم له وجهه