(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٥٨).
(وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) فهل مات وقتئذ دون قتل أو صلب؟ كلا! (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) وذلك رفع في المكانة لا في المكان فحسب ، إنما رفعه الله من هذا الجمع الجامح الكالح الذي أراد صلبه ، وهو في صيغة أخرى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) (٣ : ٥٥).
والتوفّي هو الأخذ وافيا وهو هنا أخذه من بين الظالمين تطهيرا له عن العذاب الصليبي الذي طالت مخلفاته اللّاطائلة بين اليهود والنصارى.
فلا يعني رفعه إليه ضمّه إليه سبحانه إذ ليس له مكان ، ولا قتله أو صلبه حيث سلبهما عنه ولا موته للآية التالية :
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (١٥٩).
هنا (قَبْلَ مَوْتِهِ) تعني قبل موت المسيح ، فهل آمن به أهل الكتاب حتى الآن وحتى المسيحيين منهم فضلا عن اليهود؟ فليكن حيّا حتى الآن ، وقد يؤمن به أهل الكتاب العائشون قرب موته وهو زمن ظهور المهدي القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين حيث ينزل المسيح ويصلي وراءه فلما يراه أو يسمعه أهل الكتاب يصلي وراءه يؤمنون به ، وهو في نفس الوقت إيمان بالرسالة الإسلامية ، اللهم إلّا ممن شذ منهم المعنيين بمثل قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ..).
والقول إن (قَبْلَ مَوْتِهِ) تحتمل قبل موت كل كتابي ، مردود أدبيا ومعنويا بالوجوه التالية :
١ لو عني ب «موته» موت الكتابيين كانت قضية الفصاحة «قبل موتهم»