فلما عرفوه أخذوا يصرخون مرحبا بك يا إلهنا! وأخذوا يسجدون له كما يسجدون لله. فتنفس الصعداء وقال : انصرفوا عني أيها المجانين لأني أخشى أن تفتح الأرض فاها وتبتلعني وإياكم لكلامكم الممقوت. لذلك ارتاع الشعب وطفقوا يبكون» (برنابا ٩٢ : ١٩ ـ ٢٠) (١).
والحق ان المسيح (عليه السّلام) لم يدع الألوهية ولا أنه ابن الله ولم يخلد بخلده هذه الدعوة العارمة ، ولا يوجد في الكتب المقدسة صريح ولا ظاهر في هذه الدعوى إلّا بعض المتشابهات ك «أنا والآب واحد؟؟؟؟» (لوقا ١٠ : ٣٠) وهنا «الآب» اليونانية بمعنى الخالق دون الأب بمعنى الوالد ، وقد تعنى الوحدة بالغ مقام التسليم للخالق ، حيث الوحدة في الكيان ذاتيا أو صفاتيا أو بين الخالق والمخلوق مستحيلة ذاتيا.
ذلك وكما في محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٥٣ : ٩) فإن مقام التدلي أرقى مقامات القرب.
وأما «هذا هو الذي أتى بماء ودم يسوع المسيح. لا بالماء فقط بل بالماء والدم. والروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق ، فإن الذين يشهدون (في السماء) هم ثلاثة (الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد.
__________________
(١) وهكذا يشهد على عبوديته لله الأرض والسماء قائلا : «أشهد أمام السماء وأشهد كل شيء على الأرض إني برىء من كل ما قد قلتم ، لأتي إنسان مولود من امرأة فانية بشرية وعرضة لحكم الله ، مكابد شقاء الأكل والمنام وشقاء البرد والحر كسائر البشر لذلك متى جاء الله ليدين يكون كلامي كحسام يخترق كل من يؤمن بأني أعظم من إنسان» (برنابا ٩٣ : ١٠ ـ ١١ و ٩٤ : ١ ـ ٣).
ويعتبر من يدعوه إلها ضالا مستحقا للمقت : «إنكم قد ضللتم ضلالا عظيما أيها الإسرائيليون لأنكم دعوتموني إلهكم وأنا إنسان ، وإني أخشى لها أن ينزل الله بالمدينة المقدسة وباء شديدا مسلما إياها لاستبعاد الغرباء ، لعن الله الشيطان الذي أغراكم بهذا ألف لعنة» (برنابا ٩٢ : ٢ ـ ٤).