وبذلك النمط التربوي الأليف والتصاعدي الطفيف اللطيف يحرم القرآن الخمر على المتعودين عليها في الأوساط الجاهلية ، وينجح في ذلك خير نجاح ، فقد التقط القرآن تعود السكر عن السفح الجاهلي السحيق وكانت الخمر إحدى تقاليدهم الأصيلة الشاملة ، العشيرة معهم ليل نهار.
فلقد كانت الخمر ظاهرة متميزة للجاهلية الرومانية والفارسية والعربية كما هي اليوم للجاهلية المتحضرة الأوروبية والأمريكية فعالجها القرآن بذلك الترتيب التصاعدي في كل الجاهليات ، ولم تستطع السلطات الحديثة بكل قواتها وإمكانياتها أن تعالجها إلا معاكسة في المشكلة ، مزيدا عليها وتفلتا عن سياجها (١).
__________________
(١) في تنفيحات للسيد أبي الأعلى المودودي نقلا عن كتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للسيد النووي» في السويد ـ وهي أرقى أو من أرقى أمم الجاهلية الحديثة ـ كانت كل عائلة في النصف الاول من القرن الماضي تعد الخمر الخاصة بها وكان متوسط ما يستهلكه الفرد حوالي عشرين لترا واحست الحكومة خطورة هذه الحال وما نشره من إدمان فاتجهت إلى سياسة احتكار الخمور وتحديد الاستهلاك الفردي ومنع شرب الخمور في المحال العامة .. ولكنها عادت فخففت هذه القيود منذ أعوام قليلة! فأبيح شرب الخمر في المطاعم بشرط تناول الطعام ، ثم أبيحت الخمر في عدد محدود من المحال العامة حتى منتصف الليل فقط! وبعد ذلك يباح شرب «النبيذ والبيرة» فحسب! وإدمان الخمر عند المراهقين يتضاعف ...!.
اما في امريكا فقد حاولت الحكومة الأمريكية مرة القضاء على هذه الظاهرة فسنت قانونا في سنة ١٩١٩ سمي قانون «الجفاف» من باب التهكم عليه لأنه يمنع «الري» بالخمر! وقد ظل هذا القانون قائما مدة اربعة عشر عاما حتى اضطرت الحكومة الى الغائه في سنة ١٩٣٣ وكانت قد استخدمت جميع وسائل النشر والاذاعة والسينما والمحاضرات للدعاية ضد الخمر ، ويقدرون ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزيد على ستين مليونا من الدولارات ، وإن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على عشرة بلايين صفحة ، وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة اربعة عشر عاما لا يقل عن ٢٥٠ مليون جنيه ، وقد اعدم فيها ٣٠٠ نفسا وسجن ـ