الولاية المطلقة الشرعية الرسولية ـ تحت ملكته الرسالية ، ثم «لا أملك» هنا نسبية أمام هؤلاء الفاسقين ، وأما ملك هذه الرسالة بالنسبة للمؤمنين القلة معه فهو أمر واقع لا مردّ له كما في نص الآية (رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ ..) فقد يعني بقوله أني وأخي نفضنا أيدينا عن بلاغ الرسالة كما أمرنا ، وهنا «لا أملك» مضارعة تعني حاله ومستقبله دون ماضيه حيث أثرت دعوته مهما كانت في قلة قليلة ، فلأن الرسالة لا تعني بدورها إلّا تحقيقها وقد تحققت في هؤلاء القلة ، ثم تجمدت أمام هؤلاء الكثرة الفاسقة فلا طائل ـ إذا ـ نحت تبقية الرسول وقد نفض يديه عن الوحي بلاغا وإبلاغا ، ثم لا يرى لاستمرارية بلاغه بينهم إلّا مزيدا لفسقهم أو كفرهم ، وهكذا تكون أدوار الحياة الرسولية أن الرسول حين ينفض يديه عن كامل الوحي الرسولي بلاغا وإبلاغا ثم لا يرى بعد فترة تأثيرا في دعوته ، أن بقاءه بعد فيهم ليس تحته طائل ، إذا يصح دعاءه : (فَافْرُقْ بَيْنَنا) أنا وأخي كرسولين ، وسائر المؤمنين نقباء وسواهم كأعضاد هذه الرسالة ، (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) ، إذ كلت الدعوة وما أثرت إلّا نكوصا ونكولا ، وما خلفت فيهم إلّا نكالا ، فلا تعني «فافرق» طلبا لفرقه عن أصل الرسالة أم عن دعوتها ، بل هو تطلب لموته أمّا أشبه بما يخلصه عن هذه الورطة ، ولكن الله ـ حسب المفهوم من آيات لم يستجب دعاءه في موته إن كان هو المطلوب ، بل حوّل استجابته إلى تحريم الأرض المقدسة عليهم كأصل ، وتحريم سائر البلاد عليهم كفرع فلقد راعى موسى الأدب الرسالي فلم يترك الحوزة الرسالية خلافا ل (ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ..) بل التجاء إلى الدعاء : «فافرق» دون تعيين لمصداق له تأدبا ، فاستجابه الله في فرق صالح بينه وأخيه ، وبين القوم الفاسقين في (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) لا وعليهما ، فقد كانا يزوران القدس خلال هذه الأربعين.
فالمطلوب في دعاءه هو فرق ما ينجيه من ذلك الفرق وقد نجاه الله بفرق صالح دونما موت أو عزل له عن الرسالة أم دعوتها ، ونفس ذلك التيه فيه ما