فالفقراء الذين لا يؤتون حقوقهم ، أو المهضومون في حقوقهم ، لهم استرجاعها بأية وسيلة ممكنة مسموحة ، قطعا لظلامات الأغنياء.
فجوّ الحرمان الذي يسقّط جماعة عن ضروريات الحياة ويرفع آخرين إلى ترفها في كل طرفها ، ذلك الجو من قضاياه الأتوماتيكية السرقة ، فليست السرقة الملعونة التي فيها الحد جزاء ونكالا من الله إلّا الّتي تحصل ترفا وتطرّفا ، لا الحالة الضرورية الّتي تضطر إلى سرقة ، أم والحاجة المدقعة لسدّ ثغور الفقر الجامح الجانح ، المانح كصورة عادية للسرقة.
ففقر المال إضافة إلى فقر الحال مآله السرقة ، فلا بد من خلق جو الإيمان والاطمئنان ، وإزالة الطبقية الظالمة العارمة حتى لا يخلد بخلد مسلم أن يستلب أموال الآخرين.
فأما بعد الموعظة الكاملة الواصلة إلى الناس ككل ، وبعد وصول كلّ إلى حقه الوافي لضرورة عيشته ، أما بعد هذين فهنا السرقة الملعونة ، اللاحقة لحد الحدّ ، مهما شمل حد السرقة أية سرقة غير مسموحة ، وقد تشمل (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) كل هؤلاء الذين يستلبون حقوق المؤمنين ، بأخذ ربا أو بخس مكيال أو حكرة أم تمنّع عن إنفاق مفروض ، مهما عني من (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) هنا غير ما يعنى في السرقة المرسومة ، فلتقطع أيدي المتطاولين في حقوق الناس بأية وسيلة صالحة ، ليكون الجو الإسلامي جو الحق الطليق حتى يأمن المؤمنون على نواميسهم دونما تطاول.
ذلك وإليكم حكمة بالغة في حرمة السرقة الملعونة عن الإمام الرضا (ع): «حرم الله السرقة لما فيه من فساد الأموال وقتل النفس لو كانت مباحة ، ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد ، وما يدعو إلى ترك التجارات والصناعات في المكاسب واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد ، وعلة قطع اليمين من السارق لأنه يباشر