نص في غفره ، حيث يعم الغفر عن نكاله في الأخرى إلى الأولى ، بل الأولى هنا أولى بالغفر من الأخرى ، حيث الدور هنا نكال الأولى وجزاءها (١). ذلك ، ولكن الغفر عن حاضر العذاب إنما يشملهم (قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أن يتوبوا من قبل ، فلا حدّ ـ إذا ـ عليهم ، ثم المحدود إذا تاب تاب الله عليه عن عذاب الآخرة.
وأجابه عن سؤال : كيف يسقط الحد هنا بتلك التوبة يندد بالمتسائلين :
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٠).
فإنه (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعذيبه حسب المصلحة الربانية التربوية هنا ، والعقوبة في الأخرى (وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) كالسارق التائب ، الدافع لما سرق لأهله ، لمكان «أصلح» تلو «تاب بعد ظلمه» حيث التوبة في حق الناس لها واجهتان اثنتان.
توبة إلى الله مما ظلم وهو الاستغفار عما ظلم ، وتوبة إلى المظلوم وهو هنا رد ما سرق منه ، ذلك ، ولا بد أن يفتش عن علل السرقة هل هي التقصير من الشعب والدولة عن كفالة المعوزين؟ فلا حدّ ـ إذا ـ في هذه السرقة! أم إنه يسرق وهو مكفي الحاجة الضرورية من سعيه حسب المقدرة
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٨١ ـ أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمران امرأة سرقت على عهد رسول الله (ص) فقطعت يدها اليمنى فقالت : هل لي من توبة يا رسول الله (ص) قال : نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فأنزل الله في سورة المائدة : «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» وفيه أخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال أتي رسول الله (ص) برجل سرق شملة فقال : ما أخال سرق أسرقت؟ قال : نعم ، قال : اذهبوا به فاقطعوا يده ثم احسموها ثم ائتوني به فأتوه به فقال (ص) : تبت إلى الله؟ فقال؟ إني أتوب إلى الله ، قال : اللهم تب عليه.