رؤوسهم ، فهو «طير طار مرة لم يطر قبلها ولا بعدها» (١) ، وهنا (واقِعٌ بِهِمْ) دون «عليهم» إشارة إلى أن وقوعه عليهم لم يكن إلّا بهم ، بسبب تمردهم عن شرعة التوراة.
(خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) القلوب والأبدان (٢) فتنكير «قوة» يعرّفنا أنها تحلّق على كلّ قوة ، فالمفروض ـ إذا ـ تكريس كافة القوات والإمكانيات لأخذ التوراة ، أخذا علميا وعقيديا وعمليا : شخصيا وجماعيا ، دون أن يترك في أيّ حقل من هذه الحقول سدى وهملا.
«خذوا» وليس يكفى مطلق أخذه بل (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) فليكن ما فيه من أوامر الله ونواهيه ذكرى لكم تعيشونها على كل حال ، وفي كل حلّ وترحال (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) كل المحاظير المذكورة فيه ، ذلك ، فأخذ ما في كتاب الله بقوة وذكر ما فيه ، هما جناحان للوصول إلى حق التقوى ، خروجا عن كل طغوى.
وأهم ما في كتب الله تعالى هو التوحيد الحق وحق التوحيد بدرجاته ، فقد يذكرنا الله فيها بما كتب في الفطر والعقول وسائر الآيات في كتابات الآفاق والأنفس ، فليست كتب الدعوة الربانية إلّا شروحا وتفاصيل ربانية على كتاب الله في الفطر وما أشبه من سجلات الآيات ، مهما كانت فيها زيادات لتعبديات من طقوس وشكليات العبادات.
لذلك فيما يلي يذكرنا الله تعالى بما سجله في كتاب الفطرة الذرية والذرية الفطرة ، حيث هما واحد في الحق مهما اختلفا في العبارة ، ولقد
__________________
(١) بحار الأنوار ١٣ : ٢١٣ ـ ٦ عن أبي بصير قال سأل طاوس اليماني الباقر (عليه السلام) عن طير ذكره الله في القرآن ما هو؟ فقال : طور سيناء أطاره الله عزّ وجلّ على بني إسرائيل حين أظلهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتى قبلوا التوراة وذلك قوله عزّ وجل : وإذ نتقنا الجبل.
(٢) المصدر ١٣ : ٢٢٦ ـ ٢ عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله الله : خذوا ما آتيناكم بقوة «أقوة في الأبدان أم قوة في القلوب؟ قال : فيها جميعا» ، وفيه عنه (عليه السلام) قال : واذكروا ما فيه «واذكروا ما في تركه من العقوبة».