والتعبير عن الصم البكم بالدواب تعبير لهم بارتجاعهم إلى كيان الدواب الشريرة وأضل سبيلا ، فلا يحق لهم اسم الإنسان أو الناس بل هم الدواب النسناس.
(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٢٣).
هنا «لو» تحيل أن يعلم الله فيهم خيرا إذ لا خير فيهم حتى يعلم ، فهنا مساوات بين علم الله شيئا وواقعه ، وبين عدمه وعدم واقعه لأنه بكل شيء محيط.
فحين لا سمع لهم وهم صمّ بسوء فعالهم واختيارهم ، فلا يحق إسماعهم الحق الذي هم عنه معرضون ، إذا ـ والحال هذه ـ «ولو أسمعهم ـ اسمع قلوبهم وشرحها لما تسمعه آذانهم ـ لتولوا» عما أسمعو (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن الحق المرام. ف «إذا أراد الله بقوم خيرا أسمعهم ولو أسمع من لم يسمع لولى كأن لم يسمع» (١).
فليس (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) واردا مورد سمع القبول ، وإلّا لاستحال التولي والإعراض ، إنما هو مورد سمع التمّنع لهؤلاء الدواب الصمّ البكم الذين لا يعقلون.
وقد قيل إنهم سألوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن يحيي لهم قصي بن كلاب وغيره من موتاهم ليخبروهم بصحة نبوته ، ولكنه تعالى علم منهم أنهم لا يقولون قولهم هذا إلا تعنتا وعنادا ، فحتى لو أسمعهم كلام موتاهم تصديقا لهذه الرسالة (لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤).
(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٤١ في أصول الكافي بسند متصل عن سلمة بن محرز قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : إن من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه وعلم تغيير الزمان وحدثانه ، إذا أراد الله ثم أمسك هنيئة ثم قال : ولو وجدنا أوعية أو مستراحا لقلنا والله المستعان.