وتصفيقا (١) هما من اللهو واللغو المناسبين لمسارح الفسق والرقص ، وفي أقدس مكان من أمكنة الوحي والعبادة ، وذلك ثالوث منحوس من مستحقات العذاب : تكذيب بآيات الله ، وصد عند المسجد الحرام ، ومكاء وتصدية فيه (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)(٣٦).
وهذه طبيعة الحال النحسة لقبيل الكفر أنهم يصرفون كل طاقاتهم ، و (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صدا للمؤمنين بالله تضليلا لهم ، أم وصدا عن تطبيق أحكام الله كما يصدون عن المسجد الحرام ، وصدا للمستضعفين المتحرين عن الحق ، أو الحائرين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فكيانهم ككلّ هو الصد عن سبيل الله.
ذلك (فَسَيُنْفِقُونَها) فيما يهوون ويشتهون (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) في الدارين ، لا فقط «حسرة» بل (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) غلبا بعد الحسرة وقلة بعد الكثرة ، هنا وفي الأخرى ، ثم مصيرهم إلى النار (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).
(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٣٧).
(إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) مع بعضهم البعض متميزين عن أهل الجنة (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) في ذلك الحشر كما تميزوا يوم الدنيا عن الطيبين (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) ظلمات بعضها فوق بعض ـ (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) في ذلك الحشر الحاشد ، ثم (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ
__________________
(١) المصدر ١٨٣ ـ أخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجلّ (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) قال : المكاء صوت القنبرة والتصدية صوت العصافير وهو التصفيق وذلك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة كان يصلي قائما بين الحجر والركن اليماني فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء والآخر يصفق بيديه تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته.