فصلنا القول في أحكام الفطرة على ضوء آية الفطرة في الروم ، ما يكمل البحث حول آية الذرية.
إذا فالإنسان يعيش عهودا ربانية ، بفطرته وعقليته وبشرعة الله ككل وببنود خاصة راصة من شرعته ، لا يستطيع نكران هذه العهود ، ولا سيما عهد الفطرة المندغم فيها من ذي قبل.
ولأن آيتي الفطرة والذرية بينهما تلاحم الوحدة ، وقصوى الغاية ، فلننظر إليهما نظرة عميقة أنيقة :
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)(١٧٣).
فهنا تعرض قضية التوحيد من زاوية الفطرة بصيغة الذرية ، ولأن الفطرة هي ذرية الروح كما النطفة الجرثومية للجسم.
في درس سابق لهذه الآية شهدنا مشهد الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١٧١) ـ وهنا تتابعه قصة الميثاق الأكبر الذي أخذه الله على الذرية : الفطرة ، في مشهد لا يدانيه أو يساميه شيء في روعة وجلالة مشهد الجبل المنتوق وسائر المشهد ، فهو ميثاق هو أوثق من كافة المواثيق حيث تتبناه كأصل.
إنها قضية توحيد الفطرة في صورة مشهد التساءل ، ولا تساءل بين الإنسان وربه حال ذرّه ، إلّا ما أودعه الله فيه من الغيب المكنون ، المستكن في : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) التي تصاغ هنا بصيغة الذرية ، فهو عرض للواقع الحق من التكوين الفطري للإنسان بصورة التساءل والتقاول كما هي دأب القرآن في تجسيم الحقائق البعيدة عن الإحساس ، حيث يصورها بصورة المحسوس قولا وسواه.
وقد وردت روايات حول الذر وعالمه متهافتة متضادة مع بعض ،