معارضة مع الآية ، وبجنبها أقوال وآراء غريبة قلّما يقرب منها منطوق الآية.
لذلك ، ولكي نكون على بصيرة في مغزى الآية ، علينا أن ننظر إلى «عالم الذرية» من زاوية الآية نفسها بكل إمعان ودقة : مع العلم المسبق أن «الذر» هي النمل ، وليست الذرية! ولا نجد في القرآن كله إلّا «ذرة» و «ذرية» وهما من أصل واحد ، مهما اختصت الثانية بقبيل الإنسان ، فقد أوغلوا في الخطأ في تفسير آية الذرية لفظيا ومعنويا.
قد يشهد بعض بالآية أن هناك قبل خلق الإنسان له كيان الذر ، وعالمه عالم الذر ، لمكان المسائلة : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١)
__________________
(١) قال الشريف المرتضى في أماليه (١ : ٢٨) وقد ظن من لا بصيرة له ولا فطنة عنده أن تأويل هذه الآية أن الله تعالى استخرج من ظهر آدم (عليه السلام) جميع ذريته وهم في خلق الذر ، فقررهم بمعرفته ، وأشهدهم على أنفسهم! وهذا التأويل ـ مع أن العقل يبطله ويحيله ـ مما يشهد ظاهر القرآن بخلافه لأن الله تعالى قال : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ» ولم يقل «من آدم» وقال «من ظهورهم» ولم يقل من ظهره ، وقال : «ذريتهم» ولم يقل «ذريته» ثم أخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة : إنهم كانوا عن ذلك لغافلين ، أو يعتذروا بشرك آباءهم ، وأنهم نشئوا على دينهم وسنتهم وهذا يقتضي أن الآية لم تتناول ولد آدم (عليه السلام) لصلبه وأنها إنما تناولت من كان له آباء مشركون ، وهنا يدل على اختصاصها ببعض ذرية بني آدم فهذه شهادة الظاهر ببطلان تأويلهم ـ
فأما شهادة العقول فمن حيث لا تخلو هذه الذرية التي استخرجت من ظهر آدم (عليه السلام) فخوطبت وقررت من أن تكون كاملة العقول ، مستوفية لشروط التكليف أو لا تكون كذلك فإن كانت بالصفة الأولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم وإنشائهم وإكمال عقولهم ما كانوا عليه في تلك الحال وما قرروا به واستشهدوا عليه ، لأن العاقل لا ينسى ما جرى هذا المجرى ، وإن بعد العهد وطال الزمان ، ولهذا لا يجوز أن يتصرف أحدنا في بلد من البلدان وهو عاقل كامل فينسى مع بعد العهد جميع تصرفه المتقدم وسائر أحواله ، وليس أيضا لتخلل الموت بين الحالين تأثير ، لأنه لو كان تخلل الموت يزيل الذكر لكان تخلل النوم والسكر والجنون والإغماء بين أحوال العقلاء يزيل ذكرهم لما مضى من أحوالهم لأن سائر ما عددناه مما ينفي العلوم يجري مجرى الموت في هذا