بالحزم ، واتهم في ذلك حسن الظن ، وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمتك بالأمانة ، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت ، فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهواءهم وتشتت آراءهم من تعظيم الوفاء بالعهود» (١).
والجنوح هو الميل ، والسّلم هو الصلح السليم و «إن جنحوا» هؤلاء الكفار الخونة «للسّلم» معكم ، تركا للصّدام نفسيا وعقيديا ، وتركا لأية فتنة (فَاجْنَحْ لَها) كما جنحوا دونما تعلل وتخلخل وتململ بما هو طبيعة الحال من مخابئ الخيانات للكافرين الذين ليس لهم مبدء سليم يسندون إليه ، وهم ينقضون عهودهم في كل مرة ، مجرّبون في نقض العهد ، فحقل الاعتداء والسلم لا يعامل فيها إلّا بالمثل.
وإن خطر لك خاطر من هذا القبيل من كذبهم ونقضهم ف (تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في تطبيق أمر الله ، ولكي يعرف العدو ويعرف معه آخرون أن ليس الأصل في كتلة الإيمان المقاتلة والاستئصال لأعداء الدين ، إنما هو الدفاع عن النواميس والحفاظ على كيان الإيمان (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) قالات الأعداء وقالاتكم «العليم» بكل الحالات ، فإن لم تجنحوا للسّلم عند ما جنحوا فقد تتطاول ألسنتهم عليكم أنكم تؤججون نيران الحروب التوسعية ولا تريدون سلما إضافة إلى ظاهرة التخلف عن الاعتداء بالمثل ، فإن رفض الجناح للسّلم رغم جناحهم للسلم نقض لقاعدة الاعتداء!
أجل ، والصبغة الإسلامية وصيغتها السليمة هما السّلم ما سلم المسلمون عن كيد الكفار وميدهم ، فليس لهم إلا الدفاع عن نواميسهم الخمسة دون أي هجوم بدائي لتفتّح البلدان ، اللهم إلّا تفتحا للقلوب بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن ، ثم إذا شكّلوا
__________________
(١) نهج البلاغة الخطبة ٢٩٢ فيما أمر به أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر النخعي لما ولاه مصر.