أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، فذلك التعبير القرآني يجسم الخبيث كأنه كومة من الأقذار لهؤلاء الخبثاء الأقذار ، وعند ما يصل السياق إلى ذلك التقرير عن مصير الكفر ، يتجه بخطاب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليقول لهم قولة الرحمة إن تابوا وانتهوا :
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)(٣٨).
ضابطة فقهية كلامية هي بصيغة السنة : «الإسلام يجب ـ يهدم ـ ما ـ كان ـ قبله» (١) ومهما كانت هذه الرواية ضعيفة السند ومحدودة الدلالة ، فهذه الآية تجبر كسرها فيهما (٢).
هنا (الَّذِينَ كَفَرُوا) طليقة تحلق على كل ألوان الكفر إلحادا وإشراكا وكتابيا ، ف «إن ينتهوا» تعني الانتهاء عن الكفر أيا كان بكل مخلفاته ، فهو الانتهاء المطلق دون مطلق الانتهاء ، حيث المتعلق للانتهاء هنا هو الكفر ، فان انتهى عن بعضه لم ينته عن كفره حيث الباقي أيضا كفر إذا فقد يعني الانتهاء عن الكفر بأسره وتمامه ، انتهاء نهائيا عن أسره ، ثم (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) تحلق الغفر على كل (ما قَدْ سَلَفَ) كتشجيع
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٨٤ ـ أخرج ابن أحمد ومسلم عن عمرو بن العاصي قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقلت : أبسط يديك لأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي قال : مالك؟ قلت أردت أن تشترط ، قال : تشترط ماذا؟ قلت : أن يغفر لي قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وإن الحج يهدم ما كان قبله.
(٢) أذكر حينما كنت بالنجف الأشرف في هجرتي إلى الله من شر الطاغوت : الشاه عليه لغته الله ، وكنت أتردد إلى مجلس الاستفتاء للمرجع الديني الكبير السيد الخوئي ، مشاورة في مختلف الفتيا ، وأنا متكفل الجانب الفقهي القرآني إضافة إلى سواه ، ذكر فيما كان يحققه في أسناد الروايات أنني وجدت حديث الجب غير مسنود فلا يصح أن يفتي به ، فتلوت عليه هذه الآية قائلا : إذا كان حديث الجب ضعيفا فآية الجب قوية ، فاستطار حيرة وقال : حقا نحن بعيدون عن كتاب الله ، نفتش بعد ردح بعيد من الزمن عن سند حديث الجب ، غافلين أن هناك آية الجب هي أقوى دلالة وأظهر ، ولقد كانت أمثال هذه النبرات القرآنية مما يغيظ جمعا من الجاهلين بالقرآن ، التاركين إياه إلى سواه.