وهنا «إذا لقيتم» تضيق دائرة حرمة الفرار هذه ، فحين يهاجم العدو ، ولا مكافئة في البين ، فقد يجوز أو يجب الفرار حفاظا على نفوس محترمة محرّمة أن تهدر دون سبب مبرّر.
وهل تحدّد آية التخفيف حرمة الفرار من الزحف بالمكافئة المضاعفة لجيش العدو؟ : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٨ : ٦٦).
علّها نعم ، فإنها تحمل ضابطة للمكافئة؟ وعلّها لا ، حيث إن حقل حرمة الفرار هو مسرح لقاء العدو زحفا ، فأما وجوب لقاءه بما دون المكافئة ، أم حرمة الفرار عند الهجمة المباغتة ولا مكافئة ، فلا! وقد يأتي تفصيل البحث عند آية التخفيف.
وأما في اللقاء زحفا منهما أو من إحداهما فالحكم كلمة واحدة حرمة الفرار إلّا.
ومن غريب الوفق عديدا في القرآن أن كلا من «الجهاد» و «المسلمين» بمختلف صيغهما هو (٤١) مرة ، مما يلمح أن الإسلام لزامه الجهاد في سبيله.
ومن وصايا إمام المجاهدين علي أمير المؤمنين بشأن الحروب : «تزول الجبال ولا تزول ، عض على ناجذك ، أعر الله جمجمتك ، تد في الأرض قدمك ، إرم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك ، واعلم أن النصر من عند الله سبحانه» (الخطبة ١١).
معاشر المسلمين! استشعروا الخشية ، وتجلببوا السكينة ، وعضوا على النواجذ ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام ، وأكملوا اللامة ـ الدرع ـ وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلّها ، والحظوا الخزر ، واطعنوا الشزر ، ونافخوا بالظّبا ، وصلوا السيوف بالخطى ، واعلموا أنكم بعين الله .. فعاودوا الكرّ ، واستحيوا من الفرّ ، فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب ، وطيّبوا عن أنفسكم نفسا ، وامشوا إلى الموت مشيا سجحا ـ