عن ترك الفتنة فإنما عليكم ما حمّلتم قدر المقدور ، ثم (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) حيث يتولى أمركم أمام الفاتنين (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) فلا تكلفوا أنفسكم فوق طاقاتكم إحراجا.
نفسية أم عقيدية ، ثم ولا مجال للقتال في الثانية إلا ألا يكون سبيل إلّا هيه ، أن نرد عليهم فتنهم ، ولكن الفتنة العقيدية آخذة مجالاتها في البسطاء الذين ما تعرق الإيمان المتقن في قلوبهم ، وحتى المؤمنين الماكنين قد تأخذهم فتن عقيدية ماكرة حاكرة.
ذلك ، وأما سائر الفتن التي هي دون النفس والعقيدة ، فضلا عن الكفار غير الفاتنين ، فلا مبر إسلاميا لقتالهم ، حيث الحروب الإسلامية ـ ككل ـ هي كلها مصبوغة بصبغة الدفاع ، ومسوقة بصيغة في سبيل الله ، ولا تسمح سبيل الله والدفاع عنها بالقتال دون أي دفاع.
ثم (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) لا تعني في أي زمان أو مكان ألا يطاع إلّا الله ، فإن قسما من اليهود والنصارى حسب آيتي «أغرينا وألقينا» مستمرون إلى زمن صاحب الأمر (ع) وإلى يوم القيامة الكبرى ، فهل هم ـ بعد ـ دينهم دين الله؟
ثم ولا قتال الكتابيين ـ كما في آيتهم ـ إلّا المقاتلين منهم أو الفاتنين وقد اختصرت دركاتهم المسرودة في آيات البراءة ب (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) فلكي تخمد نار الفتنة عنهم لكيلا يسطعوا على إطفاء نور الله بأفواههم ، نور الإيمان ونور المؤمنين ، نقاتلهم (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) لم تبق لهم قوة لذلك الإطفاء بذلك الانطفاء ، إذا فقتالهم محدد لحد انطفاءهم عن فتنتهم مهما لم يؤمنوا.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(٤٠).