إن عذاب التدمير الاستئصال لا يشمل إلا الظالمين ، فإن كانوا مترفين فحق لهم أصليا ، وإن كانوا مستضعفين يفسحون مجالات لفسوق المترفين ، متخاذلين أمامهم ، لا يدافعون عن حقوقهم ولا يمسكون على أيديهم ، وبذلك يعم الفسق ، تحللا للقرية الظالمة بمترفيها وسائر من فيها ، وترهلا لها فتأهلا لعذاب شامل ، فليس المسؤول فيها هنا فقط المترفون ، بل والمستضعفون المتخاذلون حيث فسحوا مجالات لهم وتسامحوا عما أترفوا وأفسدوا ... (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٨ : ٥٣) وليس الله ليمنع المجرمين عما يجرمون والمستضعفون يسمحون لهم ويتسامحون : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ. وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٢٨ : ٥٩) سواء أكانوا من أصول الظلم الطواغيت والأكابر المجرمين ، ام من فروعه المستضعفين ، حيث يتقبلون فيستقبلون الظلم فهم إذا ظالمو أنفسهم وسواهم : (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (٤٣ : ٨) (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ. فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٧ : ٥) (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ...) (٢٢ : ٤٥) : (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦ : ٦) (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (٢٠ : ١٣٤).
والرأس الرئيس في معارك الدمار هو فسق المترفين المبطرين : تكذيبا للرسل : (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٦ : ١٢٩) والإجرام الفاحش المتهدم : (أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) (٤٤ : ٣٧) ولا سيما المتمكنين المسرفين : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ...) (٦ : ٦) (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ