ف (مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) إرادة خالصة صادقة فعليه أن يسعى لها سعيها وهو مؤمن ، حيث الإرادة دون سعي ، أو سعي لا يناسبها ، إنها ليست إرادة ، فانما هو تمنّ دون أسباب صالحة تحققه ، فالإرادة الصادقة تحمل من يحملها على أداء تكاليفها والنهوض بتبعاتها وإقامة سعيها كما تطلبها ، دون ان تحرمه من لذائذ الدنيا اللهم إلا من هزاهزها ، فانما تمده إرادته الصادقة للآخرة الى آفاق أعلى وأغوار من يم الكون تتم وتطم في استخلاصه عن هزاهز الدنيا وكما عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «جزناها وهي خامدة»!. «ومن أراد الآخرة فليترك زينة الحياة الدنيا» (١).
(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (٢٠).
«نمد» من الإمداد وأغلبه في المحبوب : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٥٢ : ٢٢) والمدّ في المكروه : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٣ : ١٥) (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) (٧ : ١٠٢) فقد تكون «نمد» هنا جمعا بينهما بتغليب الأمداد ، أو انه الإمداد فقط مع اختلاف المحبوب ، فحب الدنيا ظرف للمد واقعيا وللإمداد كما يريدها أهلوها ، وحب الآخرة ظرف للإمداد واقعيا وكما يريدها أهلوها.
«كلّا» ممن مريد العاجلة والآجلة «نمد» : نعينه ونزيد له كما يريد ويعمل لعاجلة ام آجلة زيادة على ما يعمل ويأمل سواء «هؤلاء» المريدين للعاجلة ام «هؤلاء» المريدين المؤمنين الساعين للآجلة ، وهذا الإمداد ليس استحقاقا مطلوبا لأهله ، وإنما (مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) فنعمة الدنيا هي عطيته كما نعمات الآخرة هي عطيته واين عطية من عطية!
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ١٤٦ ح ١١٥.