ولماذا يمد أهل العاجلة؟ لأنه (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ومريد العاجلة يؤتاها وافية كما يسعاها ، وليس الله بمانع يحظر اهل الشر تكوينيا عما يريدونه من الشر ، كما لا يخطر ـ وباحرى ـ اهل الخير فهذه سنته الدائبة : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)!
عطاء هي محبورة غير محظورة أيا كان ، ولكنها الجزاء هي في العصيان عدل جزاء الوفاق ، إذا فالعذاب محدود بحدود العصيان ، وهي في الطاعة لا مقطوعة ولا ممنوعة عطاء غير مجذوذ ، إذا فالثواب غير محدود قدرا وزمنا (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً).
ليس ان الله يمنع أهل الآخرة من عطاء الدنيا أن يخصها أهل الدنيا ، وانما يعطي هؤلاء وهؤلاء وإن اختلفا في ابتغائها لعاجلة فالى نار ، ام لآجلة فالى جنة ، ولكنه لا يعطي أهل الآخرة في الأكثر كثيرا من نعم الدنيا كيلا ينغمسوا فيها غافلين.
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)(٢١).
فضلّنا مريدي الآخرة على مريدي الدنيا ، دون فوضى ، وانما كلا حسب ما أراد وسعى ، فطالب الفضيلة فضلناه على طالب الرذيلة ، ومهما كانت للدنيا درجات الشهوات والحيوانات ف (لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) بل ليست درجات الدنيا بجنب الاخرى إلا دركات تخلف في الاخرى دركات : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (٢٠ : ١٢٦)