«وقضى» (١) امر وحكم (٢) في صيغة القضاء تخلع على الأمر معنى التوكيد انه بثّ جزم لا ينسخ ، تمام لا ينقطع. الى جانب الحصر المستفاد من الاستثناء «إلا إياه» فصيغة التعبير تصوغ توحيدا سائغا لكيان الربوبية الوحيدة ، وهي أولى الاقضية وأولاهما كما وهي عقباها وأخراها.
ولماذا «قضى» هنا «ربك» لا : رب العالمين ولا : الله؟ لأنه يعني في هذه الأقضية الجوانب التربوية ، لتكن منوطة مربوطة بجانب الربوبية ، فربوبيته هي الحاكمة (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ـ (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ام ماذا؟
__________________
(١) ومن الأقاويل هنا في قضى ما رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس انه قال في هذه الآية : كان الأصل «ووصى ربك» فالتصقت احدى الواوين بالصادق فقرئ «وَقَضى رَبُّكَ» ثم قال : ولو كان على القضاء ما عصى الله احد قط لأن خلاف قضاء الله ممتنع! أخرجه في الدر المنثور ٣ : ١٧٠ عن ابن عباس بعدة طرق وعن ابن مسعود والضحاك بن مزاحم واخرج ضده عنه مجاهد وقد جاء القضاء بمعنى الحكم الشرعي الثابت في آيات اخرى : «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» (٣٣ : ٣٦) «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (٤ : ٦٥).
أقول : وهذه من الأقاويل الحمقاء التي تفتح باب التحريف في القرآن الحكيم ، ولم يدر المختلق المسكين ان القضاء لا تختص بالتكوين فقد تكون تشريعيا كما هنا ، ولو ان القاف تشتبه بالواو لكان مثله وادنى منه كثيرا في القرآن فلا اعتماد إذا في كتب القرآن.
(٢) نور الثقلين ٣ : ١٤٨ عن التوحيد باسناده الى ابن عباس عن امير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل وفيه فقال الشيخ : يا امير المؤمنين! فما القضاء والقدر اللذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة الا بهما؟ فقال (عليه السّلام) : الأمر من الله والحكم ثم تلا هذه الآية (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ...) أقول : يعني هنا خصوص الأمر التشريعي او ما يشمله ثم يمثل بهذه الآية التي تحمل هذا الأمر.