وقد تلمح (كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) أن الرحمة المطلوبة هنا هي الدنيوية ، ولكنها ليست رحمة إذا لم تتبعه الرحمة الاخروية او منعتهما إياها ، إذا فالرحمة المطلوبة هي الملائمة للحياة الآخرة ، منذ الدنيا ام في الآخرة. الا ان رحمة الاستغفار للمشركين مقطوعة ممنوعة عنهما وان كانوا اولي قربى : والدين ام من ذا؟ من بعد ما تبين أنهم أصحاب الجحيم ، واما قبل التبينّ فمسموح لهما الاستغفار وان كانوا مشركين ، لا إن ماتوا مشركين.
وترى إذا كانت قوله «الاف» لهما محرما ، فكيف يقول ابراهيم للمشركين وفيهم أبوه آزر ، (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢١ : ٦٧) ثم وما فوق الأف (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٦ : ٧٤).
والجواب عن أف ان آزر لم يكن والده وإنما عمه ثم هذا الاف موجه الى ضلال الشرك أيا كان وفي اي كان ، وكذلك (ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث الدعوة الرسالية وتفنيد الضالات واجبة إطلاقا ، وقد تكون بالنسبة للوالدين أوجب رحمة بهما ان يهتديا الى صراط مستقيم.
ثم إن حرمة الوالدين ليست لتمنع عن حرمة الله فلم يجعلهما الله شريكين لنفسه او زاد وإنما فرض الإحسان إليهما وطاعتهما فيما لم يعارض طاعة الله وما افترضه الله.
وإنها لذكرى حانية ، الطفولة الهزيلة الضعيفة حيث يرعاها الوالدان.
فلأنك لا تسطع مقابلة لهما بالمثل تطلب من ربك ان يرعاهما كما ربياك صغيرا ، حيث هما اليوم في مثل حالة الطفولة من الضعف والحاجة