مجاملات ، فوجّه هذه الحتمية الصادقة الى وجهة اخرى لينة لا تنافيها ، أن يقول لهم كما يرجو رحمة ربه : إن شاء الله : ابتغاء رحمة الله ، وأما أنا فما عندي ، وما عند الله خير وأبقى.
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)(٣٠).
هذه كناية عن التقتير ومن ثم التبذير حيث هما مذمومان ، نهيا عن التفريط في الإنفاق وآخر عن الإفراط فيه ، أن يتخذ بين ذلك قواما : (الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) (٢٥ : ٦٧) : وقوام المال ما يقوم بالحياة دون إسراف ولا تبذير ولا تكنيز حين يحتاج صاحبه ، فالقوام في الإنفاق «حسنة بين سيئتين» (١) (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٢ : ١٩٥) (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٢ : ٢١٩).
نصوص اربعة تحمل بطيّاتها حملة على البلاء والمبذرين المسرفين ، آمرة بالتوازن الإسلامي السليم في صرف المال سلبيا وايجابيا : ان يد المسلّم هي يد الإعطاء مما زاد عن حاجياته ، لا مغلولة الى عنقه ممسكا لا يعطي ، ولا باسطة كل البسط يعطي ولا يبقي ، وإنما قوام بين ذلك وعوان وتوازن هو القاعدة الكبرى في منهج الإقتصاد الاسلامي ، فالبخل غل والتبذير بسط وذل ، هما يقعد انك ملوما تلوم نفسك ويلومك
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ١٥٩ عن تفسير العياشي عن الحلبي عن بعض أصحابه عنه قال : قال ابو جعفر لابي عبد الله (ع) يا بني عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوهما ، قال : وكيف ذلك يا ابه؟ قال : مثل قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ...).