بلغ الإسلام في واقعه التاريخي وعرج قمة رفيعة في الوفاء بالعهود حتى مع الكفار ، لم تبلغه البشرية إلا في ظلاله.
هناك عهود من الله على العباد : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (٣٦ : ٦١) ويتكرر ذكر هذا العهد بصيغ شتى تختصر في كلمة التوحيد (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ... وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) (٣٣ : ١٥).
ثم هنالك عهود منهم لله على أنفسهم : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (١٦ : ٩١) (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(٣٣ : ٢٣).
ومن ثم عهد من الله ان يستجيب دعوتهم : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٤٠ : ٦٠) شرط وفاءهم بعهده : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٢ : ٤٠).
ثم عهود إلى العباد حتى الكفار يجب الوفاء بها إلا إذا هم نقضوا عهودهم فكيف بعهود المؤمنين : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) (٢ : ١٧٧) (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) ... كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) .. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (٩ : ١٢).
وإذا كان الوفاء بعهد المشركين فرضا على المؤمنين ، فبأحرى فرض الوفاء بينهم أنفسهم ، ثم عهدهم الى الله ، ثم عهد الله إليهم (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) كل حسب المسؤولية وثاقا في العهد وكيانا للمعهود له وعليه.