واما أن الجامد لا يأتي حالا ، فهو اجتهاد أدبي من استقراء ، ولا قرية أدبية أحرى من القرآن ، ولا يصح او يحسن هنا «طينا» إلّا حالا (١) :
خلقته طينا وخلقتني نارا والنار في أصلها وتبدلها التكامل خير من طين ، فلما ذا أسجد أنا النار لآدم الطين؟!.
وهنا لك آيات اخرى صريحة في القفزة الطينية لآدم ك (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣ : ٥٩) ولزام الممثل به أن يكون أمثل وأفضل فيما يمثل ، ومادة المماثلة بين عيسى وآدم هي اختراق العادة في خلقهما فليكن آدم دون أبوين ليمثل به عيسى المخلوق من أم ، وليس ذلك إلا خلقه قفزة من تراب ، وأما الخلقة التكاملية فليست خارقة فلا مماثلة فضلا عن كون آدم أمثل ، فإنما (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (٥٥ : ١٤) وهل الفخار يصنع الفخار إلّا من طين ، فكذلك فخّار فخار الإنسان خلقه من طين.
واما آية الاصطفاء (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣ : ٣٣) فلا تدل على ما يهواه الهاوون الغاون ، ان آدم أبا هذا البشر كان بين أوادم فاصطفاه ربه لإنسان البشر ، وجعله رسولا إليهم ، حيث الاصطفاء يكفيه انه كان بين حواء وسائر الجن والشياطين ، فاصطفاه رسولا إليهم بعد العصيان والتوبة والاهتداء : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٣٠ : ١٢٢).
__________________
(١) فكونه مفعولا لخلقت وحيدا لا يصح حيث الصلة لا بد لها من ضمير الى الموصول ، او انه مفعول ثان اوله محذوف «خلقته طينا» هو عكس الواقع انه خلق طينا إياه ، لا خلقه طينا ، او انه مفعول أول تأخر «خلقت طينا إياه» ولو انه صحيح فغير فصيح ، او ان «طينا» منصوب بنزع الخافض ، وهنا موضع اللبس فلا ينزع الخافض فإن نزعه يخلف النزاع. فلا مجال في أدب القرآن إلا كونه حالا.