وترى إن الله يدله على موارد إضلاله؟ كلا! وإنما يدلنا على مجاري ضلاله ومناهل اعتقاله.
وتحتصر الآية فيما تختصر قدر المستطاع من كيد الشيطان ، ولكي نكون على نبهة واهبة في مواجهته بما زودنا من طاقات ، وتزيدنا نجاحا في هذا النضال مواعيد ربنا (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (١٩ : ٦٣) (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً).
فهناك خطوة إبليسية اولى : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) : فما هو صوته وما هو استفزازه بصوته؟.
الاستفزاز هو الاستخفاف الإزعاج من الفز : ولد البقرة لما تصور فيه من الخفة كما يسمى عجلا لما تصور فيه من العجلة ، ولا يحمل على العصيان ولا يحتنك للشيطان إلّا من يستفز استخفافا عن ثقله ، وكما ان فرعون (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) (٤٣ : ٥٤) وأراد ان يستفز بني إسرائيل فثبتّهم موسى (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) (١٧ : ١٠٣) وكادوا ليستفزوا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولكن (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) (١٧ : ٧٦).
ليس للشيطان ان يستفز عباد الرحمن بعقلية راجحة او بحجة ووعد الصدق ، وانما بما يزين لهم في الأرض : (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١٥ : ٤٠).
وللشيطان صوتان يستفزان ، صوت يلهي بما يشهيّ من غنى وموسيقا