هب إنكم أمنتم البرّ حالا كما امنتم البحر ترحالا فما ذا يامنكم ان يعيدكم الى ضر البحر؟.
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً)(٦٩).
وهب إنه أمهلكم في البحر فما أغرقكم ، ثم أمهلكم في البر فما خسف بكم ولا أرسل عليكم حاصبا ، فكيف تأمنون ان يعيدكم في البحر مرة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح تقصف الصواري وتحطّم السفن ، ثم لا تجدوا لكم علينا بقاصف البحر تبيعا يلاحق في نجاتكم؟
أيتها الحشرة الهزيلة الذليلة ، العائشة بين أخطار الغرق والخسف والحاصب والقاصف ، بحرا وبرا وجوا ، لماذا هذه الغفلة الحمقاء ، هذا الكفران المتواصل في النكران والعصيان ، وهنا لك القدرة الإلهية تتصدى لك ثم لا تجد عليه وكيلا ولا تبيعا؟!
(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٧٠).
آية عديمة النظير في صيغة التعبير ، إذ تحمل بعدين بعيدين للمحتد الإنساني ومنزلته على «من خلق» ككل : (كَرَّمْنا ... (فَضَّلْناهُمْ ...)!.
كرامة مطلقة بين «من خلق» في تأكيدات ثلاث : «ل» «قد» ـ «كرمنّا» : فالتكريم يفوق الإكرام عدة وعدة ، ثم «ولقد» يؤكده مرتين ، بينها الملائكة المعصومون (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٢١ : ٢٦) خلوا عن هذه الثلاث ، ومن ثم «نا» في كرمنا هذه حيث تعني جمعية الصفات.
وفي سائر القرآن تصريحات وتلميحات بهذه الكرامة العليا للإنسان ، فانه في التين (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) وفي الأنبياء (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)